الجبناء في رمضان
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد :
فليس هؤلاء الجبناء ثلاثة ولا أربعة ولا خمسة ... بل إنهم أكثر من ذلك بكثير لأن كل من سار على هذا النهج من المسلمين فهو جبان.
وربما يدافعون عن أنفسهم فيقولون نحن أولوا قوة وألوا بأس شديد نظرا لما يتمتعون به من صحة في أبدانهم وقوة في أجسادهم وهذا صحيح من حيث الظاهر إذا كانت المواجهة بينهم وبين أمثالهم من بني آدم ولكنهم رغم هذه القوه فإنّهم يصدق عليهم القول بأنهم جبناء انهزاميون أمام قوة خفية تتمثل في نوازع النفس ووساوس الشيطان.
وصفه الجبن ملازمة لهم في حياتهم ولكنها تظهر بشكل جلي وواضح في شهر رمضان المبارك.
وهؤلاء الجبناء هم :
1. المفطرون في رمضان من غير عذر ولا رخصة شرعية
فهم أصحاء في أبدانهم وأقوياء في أجسادهم ولكنهم ينهزمون أمام قوة النفس الأمارة بالسوء وقوة شهوة الجوع أو الظمأ وحيث إنهم يفتقدون قوة الإيمان الرادع فإنهم يأكلون ويشربون وما أجمل قول الشاعر في حق هؤلاء :
يامفطرون بلا عذر ولا سبـــــــــــــب *** صباحكم يوم فطر الناس مكبود
صوموا عن العيد واقضوا يومه خجلا *** إن يخجل في الأرض الجلاميد
2. الرجل الذي يجامع زوجته في نهار رمضان
وكذلك المرأة التي تمكن زوجها من نفسها في نهار رمضان. كل منهما جبان حيث ضعفت قوة إيمانهم أمام قوة الشهوة الجنسية.
وكان على الرجل لو كان مؤمنا حقا أن يتذكر أنه متلبس بطاعة وعبادة سرية وكان على المرأة أيضا مثله إضافة إلى أنه لايحل لها طاعته بدليل قولهصلى الله عليه وسلم: «لاطاعه لمخلوق في معصية الخالق».
3. النائمون
وهذه الكلمة ليست على إطلاقها لأن كل مسلم ينام ولابد من النوم فهو ضرورة من ضرورات الحياة
والمقصود بالنائمين هنا هم :
أ. النائمون بعد السحور
ولم يبق للفجر إلا وقت يسير فهؤلاء أغرتهم الشياطين واستسلموا للنوم والراحة وفاتتهم صلاة الفجر وباؤوا بالخسران المبين.
ب. النائمون أكثر النهار
حيث تفوتهم صلاة الظهر وصلاة العصر وقد فاتتهم صلاة الفجر ثم استيقظوا ليتناولوا طعام الإفطار وقد تلهيهم لذة الطعام وتغريهم أطايبه فلا يصلون المغرب وإلا وقد أزف الشفق الأحمر على المغيب ليحين وقت العشاء فهؤلاء جبنا هزموا أمام قوة النفس ونهمها في الطعام والشراب وأهملوا طاعة الله فلم يؤدوا الصلاة في وقتها بل أخروها- وليتهم تذكروا قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} [الماعون:4-5]، والسهو هنا تأخيرها عن وقتها.
ج . لاهون عن ليالي رمضان
وأخص منها ساعات التجلي الرباني في الثلث الأخير من الليل.
ولقد آثروا أن يسمروا مع وسائل اللهو المتعددة وتناسوا قوله تعالى : {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:6].
وقوله سبحانة وتعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }[الإسراء:79].
وكم من عوائل يتبادلون الدعوات إلى طعام السحور ويحضرون في ساعات متأخرة، ويجلس الرجال في المجلس يتحدثون ويلهون ويلعبون، والنساء في المطبخ يعددن السحور ويتحدثن عما رأته كل منهن ليلة أمس في السوق من بضائع وموديلات، وما اطلعت عليه بعضهن من صناعة جديدة لأكلات شهيه وحلويات لذيذة.
كل ذلك وصلاة القيام في المساجد وكتاب الله يتلى والملائكة تحيط بالمصلين من كل جانب والرحمات تتنزل عليهم ...
وإلذي أدى أحد الجالسين بنصيحة قائلا لو أنا ذهبنا إلى المسجد وصلينا ما تيسر لنا ... يفاجئه أكثرهم قائلين: هيا اجلس إنها سنه وحسبنا نؤدي الفروض.... وهكذا فقد استسلموا لنوازع النفس والأمارة بالسوء وهاموا أمام الشهوة واللهو والراحة الجسدية وتنازلوا عن أجر عظيم وثواب كبير من لدن رحمن رحيم قال في محكم التنزيل مبينا أجر القانتين والقائمين: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ(18)} [السجدة:17-18].
د. رواد ورائدات الأسواق في ليالي رمضان
هؤلاء أوتوا صحة في أبدانهم وسعه في أموالهم، ولكنهم خدعوا وجبنوا أمام شهوة نفوسهم في التجوال في المحلات التجارية والإطلاع على الجديد من البضائع وقد ينخدعون بالتنزيلات الحقيقية والتنزيلات الأخرى الغير موصوفة، وبعض النساء ينخدعن بما شاهدته أم فلان في محل كذا بالشارع كذا وهي صادقة وخبيرة لانها تنزل يوميا الى السوق، وزوجها مثل العسل لا يخالف لها رأيا ولا يعصي لها أمرا وهو رجل مؤدب، لايحب أن ينزل معها ويرافقها الى المحلات التجارية بسبب ازدحام النساء في تلك المحلات بل تنزل هي ويعدها في ساعة معينة فيأخذها .....
وهي عظيمة الثقة بنفسها ولا يستطيع أي بائع أن يخدعها، لأن لها خبرة طويلة بالسوق وتعرف جيد البضاعة من رديئها، ولايمكن ان تدفع الـ(2000) أو الـ (5000) ريال أو الـ(10000) ريال إلا في البضاعة المناسبة أو الفستان المناسب الجيد تقريرا منها لجهد زوجها وتعبه في تحصيل النقود وتحاشيا للإسراف والتبذير .
وتقول إن لديها حنكة ودهاء فهي تشترط على البائع إرجاع البضاعة واستبدالها بأحسن منها إذا لزم الأمر، ولو كلفها ذلك أن تنزل إلى السوق مرات ومرات في ليالي عديدة، لا مانع أن تستأنس برأي صديقتها أم فلان فهي أنشط منها لأنها تنزل إلى السوق صباحا ومساء.
وبعضهن لايكلفن أزواجهن عناء الذهاب إلى السوق، حيث السائق يقوم بالمهمة وصاحب البيت يمكث مع أولاده في البيت يساعدهم في المذاكرة حرصا على نجاحهم ومستقبلهم.
وعند عودة هذه العوائل إلى منازلهم لابد من أن يستسلموا للراحة بعد التعب، حيث يذهبون إلى سررهم ولابد أن يسمع كل منهم هاتفا شيطانيا يقول له : "ارقد وراءك ليل طويل" بعد أن يعقد على قفار رأس كل منهم ثلاث عقد كما ورد في الحديث الشريف وليستيقظون إلا في الضحى وقت الظهيرة لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان».
هـ. المتقاعسون عن العمل والموظفون المتأخرون عن الدوام
أعتقد أنني لا أذيع سرا ولا أظلم أحدا ولا أنتفض من شأن أحد إذا قلت: إن كثيرا من المسلمين الصائمين يخف إنتاجهم العملي في شهر رمضان وكأن الصوم قد أفضى عليهم جانبا واسعا من الكسل وهذا خطأ فادح وتهمة لامبرر لها والصوم من هذا برئ بدليل أن كثيرا من الأمور العظيمة في تاريخ سلفنا الصالح ومن بعدهم قد تمت في شهر رمضان المبارك مما يدلنا على صدق العقيدة والبسالة والقوة والنشاط والصبر وأهم هذه الاعمال:
1. غزوة بدر.
2.فتح مكة.
3. موقعة الزلاقة.
4. موقعة عين جالوت.
5. فتح الاندلس.
وبهذا يتبين جليا أن التقاعس في أداء العمل جبن وانهزام أمام حب الراحة المصطنع الذي توسوس به النفس الأمارة بالسوء.
وما أسوء منظر ذلك الموظف الذي يدخل المراجع عليه فيجده قد ضم ذراعية إلى عضدية ووضعهما على الطاولة وجعل منهما متكئا لرأسه ينام ويستيقظ فترة أخرى حتى ينتهي الدوام مبررا صنيعه ذلك أنه صائم !!!
ومثل هذا الموظف الذي يتأخر عن الدوام بحجه أنه صائم وقد تناسى أن تحديد بدء الدوام في رمضان الساعة العاشرة لايدع مجالا لمحتج وهو نعمة عظيمة يفتقدها كثيرون في بلاد أحرى.
علما بأننا لو أجرينا إستفتاء في أهل الصدق والأمانة من الصائمين المنصفين لوجدنا أنهم يقولون:
إن الصيام يزيد من صفاء الذهن، ويشحذ الهمم للعمل، وهو مصدر قوة معنوية ونشاط حسي وقوامهما تقوى الله عز وجل المشار اليها بقولة تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَقُونْْ} [البقرة:183].
سبحان من فرض الصيام وخصه***باليمن والآلات والغفران
الصوم مدرسة تجسد طاعه *** وعبادة للمالك الديان
صوموا تصحوا من مبادئ ديننا *** والحق لايحتاج للبرهان
والمؤمنون الصائمون أعزة *** في ظل تقوى الله والإيمان
لا جبن ولا إهمال لا تقصير في*** عمل وظيفي ولا إحسان
يارب أكرمنا بطاعتك الني *** تضفي علينا محبة الرحمن
وختاما نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيدنا من الجبن والبخل والعجز والكسل ومن غلبه الدين وقهر الرجال والحمد لله رب العالمين .