تعريف علو الهمة:
الهمة في اللغة : ما هم به من الأمر ليفعل .
الهمة في الاصطلاح : الباعث على الفعل ، وعرف بعضهم علو الهمة بأنه : استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور . قال الشاعر مصوراً طموح المؤمن
إذا كنت في أمر مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
وعرف ابن القيم علو الهمة بقوله :
"علو الهمة ألا تقف -أي النفس- دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم ، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات"(1).
الحث على علو الهمة والتحذير من سقوطها:
قال الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه: "لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته"(2).
وقال ابن القيم: "لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه"(3).
وقال ابن نباتة رحمه الله:
حاول جسيمات الأمور ولا تقل *** إن المحامــد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرا *** عن غاية في الطلاب سباق
أقسام الهمة:
تُقَسَّم الهمة تقسيمين فتقسم من حيث الرفعة وضدها إلى عالية وساقطة.
وتقسم من حيث الاستعداد الفطري إلى وهبية ومكتسبة.
وليس معنى أن منها ما هو فطري أنها لا سبيل لزيادة رفعتها بل هي مثل باقي الصفات العقلية والخلقية كالذكاء والذاكرة وحسن الخلق . قال ابن القيم: "وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات فإذا حثثت سارت ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ المنعم أو كسلاً فالجأ إلى الموفق ، فلن تنال خيراً إلا بطاعته ، ولن يفوتك خير إلا بمعصيته"(4).
مراتب الهمم:
عن أبي كبشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، أو كلمة نحوها، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربع نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعلمت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح"(5).
وعلى نحو هذا التقسيم والتمثيل النبوي ينقسم الناس وتتفاوت منازلهم في الهمة:
1 – منهم من يطلب المعالي بلسانه وليس لـه همة في الوصول إليها ويصدق عليه قول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
2 – ومنهم من لا يطلب إلا سفاسف الأمور ودناياها ويجتهد في تحصيلها ، وهذا –إن اهتدى– يكون سباقاً للخيرات: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
3 – وفريق ساقط الهمة يهوى سفاسف الأمور ويقعد به العجز عنها، فهو من سقط المتاع وهو كمن وصف الشاعر:
إني رأيت من المكارم حسبكم *** أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم يوما *** في مجلس أنتم به فتقنعوا(6)
4 – وأعلى الهمم همة من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله فهنيئاً له ومن أمثالهم الأسلمي وعكاشة بن محصن وبين كل مرتبتين مراتب كثيرة تتفاوت فيها الناس تفاوتاً بينا.
وإذا استعرضنا التاريخ نجد أن العلية من الناس والقادة الذين تركوا أثرهم في التاريخ هم أصحاب الهمم العالية .
ومن أمثلتهم في القديم :
1 – ربيعة بن كعب الأسلمي الذي قال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سل" فقال: أسألك مرافقتك في الجنة... (7).
2 – عكاشة بن محصن بادر فقال : "ادع الله أن يجعلني منهم ...".
3 – أبو بكر الذي قال: "ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها ، قال نعم وأرجوا أن يكون منهم ...".
4 – أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـه: "ألا تسألنِ من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله فنَزع نَمِرَةً كانت على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى نمل يدب عليها فحدثني حتى إذا استوعب حديثه قال اجمعها فصرها إليك فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني"(.
5 – قصة ابن عباس مع صاحبه الأنصاري الذي طلب منه ابن عباس أن يرافقه في جمع العلم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن حسن في كتابه الهمة طريقك إلى القمة ص 21 – 22 : "وترى اليوم من تفاوت الهمم أمراً عجباً، ... فإذا اطلع المرء على أحوال الخاصة من المسلمين وهم طلاب العلم والدعاة وباقي الملتزمين بشرع الله الحريصين عليه سيصاب بالدهشة لما يراه من فتور الهمم ... فمنهم من إذا اطلع ساعة أو ساعتين في اليوم ظن أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل ومنهم من إذا خرج لزيارة فلان من الناس بقصد الدعوة يظن أنه قد قضى ما عليه من حق يومه ، ومنهم من تتغلب عليه زوجه وعياله فيقطع عامة وقته في مرضاتهم ، ومنهم من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض الأشرطة ، وحضور محاضرة أو اثنتين في الأسبوع أو الشهر ، ومنهم من غلب عليه الركون إلى الدنيا والتمتع بمباحاتها تمتعاً يفضي به إلى نسينا المعاني العلية ، ومنهم من يقضي عامة وقته متشبعاً لقطات إخوانه ومطلعاً على ما يزيد علمه رسوخاً في هذا المجال ... ولا أزعم أن جمهور الصحوة قد فاتهم أن يكونوا ممن يجمع الشمل ويقصر الاعتذار والشكاية ويصبح نموذجاً يحتذى به ، ولكن أقول جازماً بأنهم – إلا القليل – لم يستثمروا هممهم حق الاستثمار ، ولم يحاولوا أن يرتقوا بأنفسهم حق الارتقاء".
ومن أمثلة هذا الرهط القليل حسن البناء الذي سأله مدرسه عن أعجب بيت قالته العرب إليه فقال قول طرفة :
إذا القوم قالوا: من فَتىً؟ خِلْتُ أنني *** عُنِيتُ فَلَمْ أكْسَلْ ولم أتَبَلَّدِ
وأوى ليلة إلى فراشه بعد نصب شديد فأخذ ورقة وقلما وجعل يكتب مقالاً ينشره في الجريدة فدخل عليه أحد المقربين منه المشفقين عليه فوعظه في نفسه فرد عليه في ذلك أجمل رد.
وهذا الشيخ ابن باز قضى خمسين سنة من عمره الوظيفي لم يتمتع بإجازة ، وذلك الشيخ: غلال الفاسي يقول:
الهمة في اللغة : ما هم به من الأمر ليفعل .
الهمة في الاصطلاح : الباعث على الفعل ، وعرف بعضهم علو الهمة بأنه : استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور . قال الشاعر مصوراً طموح المؤمن
إذا كنت في أمر مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
وعرف ابن القيم علو الهمة بقوله :
"علو الهمة ألا تقف -أي النفس- دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم ، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات"(1).
الحث على علو الهمة والتحذير من سقوطها:
قال الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه: "لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته"(2).
وقال ابن القيم: "لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه"(3).
وقال ابن نباتة رحمه الله:
حاول جسيمات الأمور ولا تقل *** إن المحامــد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرا *** عن غاية في الطلاب سباق
أقسام الهمة:
تُقَسَّم الهمة تقسيمين فتقسم من حيث الرفعة وضدها إلى عالية وساقطة.
وتقسم من حيث الاستعداد الفطري إلى وهبية ومكتسبة.
وليس معنى أن منها ما هو فطري أنها لا سبيل لزيادة رفعتها بل هي مثل باقي الصفات العقلية والخلقية كالذكاء والذاكرة وحسن الخلق . قال ابن القيم: "وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات فإذا حثثت سارت ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ المنعم أو كسلاً فالجأ إلى الموفق ، فلن تنال خيراً إلا بطاعته ، ولن يفوتك خير إلا بمعصيته"(4).
مراتب الهمم:
عن أبي كبشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، أو كلمة نحوها، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربع نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعلمت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح"(5).
وعلى نحو هذا التقسيم والتمثيل النبوي ينقسم الناس وتتفاوت منازلهم في الهمة:
1 – منهم من يطلب المعالي بلسانه وليس لـه همة في الوصول إليها ويصدق عليه قول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
2 – ومنهم من لا يطلب إلا سفاسف الأمور ودناياها ويجتهد في تحصيلها ، وهذا –إن اهتدى– يكون سباقاً للخيرات: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
3 – وفريق ساقط الهمة يهوى سفاسف الأمور ويقعد به العجز عنها، فهو من سقط المتاع وهو كمن وصف الشاعر:
إني رأيت من المكارم حسبكم *** أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم يوما *** في مجلس أنتم به فتقنعوا(6)
4 – وأعلى الهمم همة من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله فهنيئاً له ومن أمثالهم الأسلمي وعكاشة بن محصن وبين كل مرتبتين مراتب كثيرة تتفاوت فيها الناس تفاوتاً بينا.
وإذا استعرضنا التاريخ نجد أن العلية من الناس والقادة الذين تركوا أثرهم في التاريخ هم أصحاب الهمم العالية .
ومن أمثلتهم في القديم :
1 – ربيعة بن كعب الأسلمي الذي قال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سل" فقال: أسألك مرافقتك في الجنة... (7).
2 – عكاشة بن محصن بادر فقال : "ادع الله أن يجعلني منهم ...".
3 – أبو بكر الذي قال: "ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها ، قال نعم وأرجوا أن يكون منهم ...".
4 – أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـه: "ألا تسألنِ من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله فنَزع نَمِرَةً كانت على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى نمل يدب عليها فحدثني حتى إذا استوعب حديثه قال اجمعها فصرها إليك فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني"(.
5 – قصة ابن عباس مع صاحبه الأنصاري الذي طلب منه ابن عباس أن يرافقه في جمع العلم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن حسن في كتابه الهمة طريقك إلى القمة ص 21 – 22 : "وترى اليوم من تفاوت الهمم أمراً عجباً، ... فإذا اطلع المرء على أحوال الخاصة من المسلمين وهم طلاب العلم والدعاة وباقي الملتزمين بشرع الله الحريصين عليه سيصاب بالدهشة لما يراه من فتور الهمم ... فمنهم من إذا اطلع ساعة أو ساعتين في اليوم ظن أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل ومنهم من إذا خرج لزيارة فلان من الناس بقصد الدعوة يظن أنه قد قضى ما عليه من حق يومه ، ومنهم من تتغلب عليه زوجه وعياله فيقطع عامة وقته في مرضاتهم ، ومنهم من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض الأشرطة ، وحضور محاضرة أو اثنتين في الأسبوع أو الشهر ، ومنهم من غلب عليه الركون إلى الدنيا والتمتع بمباحاتها تمتعاً يفضي به إلى نسينا المعاني العلية ، ومنهم من يقضي عامة وقته متشبعاً لقطات إخوانه ومطلعاً على ما يزيد علمه رسوخاً في هذا المجال ... ولا أزعم أن جمهور الصحوة قد فاتهم أن يكونوا ممن يجمع الشمل ويقصر الاعتذار والشكاية ويصبح نموذجاً يحتذى به ، ولكن أقول جازماً بأنهم – إلا القليل – لم يستثمروا هممهم حق الاستثمار ، ولم يحاولوا أن يرتقوا بأنفسهم حق الارتقاء".
ومن أمثلة هذا الرهط القليل حسن البناء الذي سأله مدرسه عن أعجب بيت قالته العرب إليه فقال قول طرفة :
إذا القوم قالوا: من فَتىً؟ خِلْتُ أنني *** عُنِيتُ فَلَمْ أكْسَلْ ولم أتَبَلَّدِ
وأوى ليلة إلى فراشه بعد نصب شديد فأخذ ورقة وقلما وجعل يكتب مقالاً ينشره في الجريدة فدخل عليه أحد المقربين منه المشفقين عليه فوعظه في نفسه فرد عليه في ذلك أجمل رد.
وهذا الشيخ ابن باز قضى خمسين سنة من عمره الوظيفي لم يتمتع بإجازة ، وذلك الشيخ: غلال الفاسي يقول:
أبعد بلوغي خمس عشرة ألعب *** وألهو مع اللاهين حولي وأطرب
ولي نظر عالٍ ونفس أبية *** مقاماً على هَامِ المَجَرَّةِ تَطْلُبُ
ولي نظر عالٍ ونفس أبية *** مقاماً على هَامِ المَجَرَّةِ تَطْلُبُ