هذه المقالة نشرت لي بأكثرمن مكان منها مجلة بلدية عين الباشا.. ولكن ليس باسم المحترف
رمضان..فرصة
لتهذيب وتنظيم الشخصية الانسانية
الصيام فرصة لتنظيم حياة الناس، يربي فيهم حسن التصرف واعطاء الحقوق لأهلها والكف عن الظلم بشتى انواعه، ظلم النفس وظلم الآخرين، فالجوع والايام الشداد والمحن قد تكون ضرورة تربوية لحمل النفس المجبولة على التمرد، الى الانقياد للخالق تعالى، وتحطيم الكبرياء والتعالي على الناس، بهذا المنحى التربوي، تكون حياة الصائمين، ضرباً من الخلوص لله عزّ وجل، فالصوم يرجح كفة اليقين والثبات والمصابرة في ميادين التردد والتخاذل والوهن، وبهذا الفهم الجلي لفلسفة الصوم وابعاده، لا يستعبد الصائم عادة ولا تستذله شهوة ولا تقهره لقمة خبز، ولا يتهاوى أمام عناد الفتن، ليصبح انساناً مؤمناً قوياً فاعلاً في مجتمعه.
ان من انتصر على دخيلة نفسه، وقمع غيها وحبها للطيش والابتذال، سينتصر لا محالة في حياته، لأنها سُنة كونية باقية: "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد/ 11).
لأن الصيام يبني الانتصار في الداخل بناء متكاملاً، ويجسد تصوره في الضمير، فتستجيب حواس الصائم وتتفاعل جوارحه معها ليمثل التفوق في أرض الواقع وذلك لان الصيام دوافعه في الضمير ورقابته من الله تعالى، فالصائم متصل بالسماء، يراقبه هذا الضمير الموصول بالله، يقظة متحرّسة وتنبيه دائم، فلا يظلم المرء ولا يرتشي ولا يغش، لانه يستشعر رقابة السماء. اما ذلك المفطر المنهزم الذي استذلته دواعي الشر وقبل على المعاصي، يصبح اسيراً طيعاً لارادة النفس الأمارة، خنوعاً ذليلاً امام الناس، وحري بمن استعبدته نفسه ان يخسر وينهزم في الصراع مع الحياة وخطوبها، ليتهاوى الى الحضيض، حيث فورة الحياة المادية، فنراه غير قادر على تحمل أعباء أية مسؤولية عاجزاً عن الحد من ابسط شهواته، مهزوماً امام ادنى لذّة من لذاته، لتصطبغ شخصيته بالانهزامية والتخاذل، فيمضي مع اي تيار، ويردّد أي شعار، لانه خسر أول مواجهة مع العدو الأكبر وهو النفس.
حفظ الهدوء النفسي
لا شك ان المؤمن عندما يمارس عبادة الصيام كما امره ربه فانه يمارس الخبرة التربوية التي تنعكس آثارها في سلوكه فيكتسب عادة الاتزان وهي من دعامات الشخصية السوية، ولقد اسفرت نتائج الابحاث الحديثة عن ان الاضطرابات الانفعالية تسبب العديد من الامراض النفسية والجسدية، كما ان تلاوة القرآن الكريم في رمضان تكسب المؤمن، الهدوء النفسي وتعمل على ازالة التوتر، ذلك لان التدبر في آيات الله، يمنح المؤمن السكينة، تطبيقاً لقوله تعالى: "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايماناً مع ايمانهم" (الفتح/ 4).
فوائد تربوية متعددة
الصيام، دورة تدريبية تعتبر توثيقاً للصلة بالدين والعقيدة، واستمراراً للعبودية، وتمريناً على السلوك القويم، وتجديداً للايمان، وزيادة في الطاعة، واتماماً لحسن السلوك والاخلاق.
ان تشريع الصيام، احد الوسائل المهمة والحساسة في تربية المسلم، ودعوته الى حسن التنظيم والتخطيط، ليقبل الله منه العبادة والعمل.
واذا كان للصيام كل هذه الفوائد الجمة، ادركنا ما للفرائض في الاسلام من آثار طيبة لا تعود على الفرد وحده، بل على سائر المجتمع، ولهذا كان الصيام من لوازم تهذيب الشخصية الانسانية في جوانبها كافة، فحقاً لو علم الناس ما في رمضان لتمنوا أن يكون العام كله رمضان ليظفروا بثواب الرحمن ويطهروا القلب بتلاوة القرآن، ويحفظوا الابدان ولينعموا بالغفران ويصلوا الى مراتب الرضوان، ويكثروا فيه من الحسنات لتعمهم الرحمة الالهية.
جعلنا الله أجمعين قاهرين لهذا النفس صابرين عليها لا منقادين اليها ..فلننطلق ..